قرآن الحجارة «إحصائيات نقوشيّة، وتحليلات أوّلية»

أدى بروز «الاتجاه التنقيحي» على ساحة الدرس الغربي المعاصر للقرآن، بتشكيكه في مدى المصداقية التاريخية للمصادر الإسلامية التقليدية حول تاريخ الإسلام وتاريخ القرآن، والواصل حدّ رفض الاعتماد عليها في بناء سردية مقنعة حول هذا التاريخ، إلى مركزية عددٍ معينٍ من المنهجيات التي لا تعتمد التحليل الأدبي والتاريخي للنصوص المكتوبة، بل تنزع للاكتفاء بدراسة الأدلة المادية، الأركيولوجية والنقوشية، من هذه المنهجيات: «الإبيغرافيا» أو علم النقائش، الذي يدرس النصوص المدونة فوق مادة صلبة، كمعلمة تاريخية، أو بناية، أو لوحة، أو وسام، أو عُمْلَةٍ معدنية، أو مزهرية، أو حجارة، تبتغي ترسيخها وتمتينها، وهذا من أجل محاولة استثمار هذه الأدلة في تكوين معرفة دقيقة بتاريخ الإسلام لاسيما بداياته الأولى.
ولعلّ فريديريك إمبرت واحد من أهم الباحثين الذي اتجهوا لهذا اللون من الدراسة، حيث تَمَكَّنَ من مسح عددٍ من الأماكن في عدد من البلاد الإسلامية (مصر، سوريا، الأردن، المملكة العربية السعودية)؛ منقبًا عن النقوش الباكرة التي تحمل شذرات من النصِّ القرآني، أو نصوصٍ مستمدة من مادته، والمقال الذي بين أيدينا هو محاولة تجميع وتأويل لنتائج هذه الدراسة. والمقصد الأصيل لهذه الترجمة هو بيان أثر الاتجاه التنقيحي في الدرس الغربي إلى الحد الذي أعطى المركزية لمثل هذه المنهجيات التي لم تكن هي مدار التأريخ لبدايات الإسلام، والتي من المهم أيضًا تقريبها نظريًّا وعمليًّا، وتسليط الضوء عليها وعلى نتائجها ومسالكها، وهو ما يمثل بلا شك جانبًا مهمًّا أيضًا من مقاصد الترجمة لهذا المقال.